فصل: مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله عنه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.خبر الأكراد:

كان أمر أمراء الانسياح لما فصلوا إلى النواحي اجتمع ببيروذ بين نهر تيري ومنادر من أهل الأهواز جموع من الأعاجم أعظمهم الأكراد وكان عمر قد عهد إلى أبي موسى أن يسير إلى أقصى تخوم البصرة ردءا للأمراء المنساحين فجاء إلى بيروذ وقاتل تلك الجموع قتالا شديدا وقاتل المهاجر بن زياد حتى قتل ثم وهن الله المشركين فتحصنوا منه في قلة وذلة فاستخلف أبو موسى عليهم أخاه الربيع بن زياد وسار إلى أصبهان مع المسلمين الذين يحاصرونها حتى إذا فتحت رجع إلى البصرة وفتح الربيع بن زياد بيروذ وغنم ما فيها ولحق به بالبصرة وبعثوا إلى عمر بالفتح والأخماس وأراد ضبة بن محصن العنزي أن يكون في الوفد فلم يجبه أبو موسى فغضب وانطلق شاكيا إلى عمر بانتقائه ستين غلاما من أبناء الدهاقين لنفسه وأنه أجاز الحطيئة بألف وولى زياد بن أبي سفيان أمور البصرة واعتذر أبو موسى وقبله عمر.
وكان عمر قد اجتمع إليه جيش من المسلمين فبعث عليهم سلمة بن قيس الأشجعي ودفعهم إلى الجهاد على عادته وأوصاهم فلقوا عدوا من الأكراد المشركين فدعوهم إلى الإسلام أو الجزية فأبوا وقاتلوهم وهزموهم وقتلوا وسبوا وقسموا الغنائم ورآى سلمة جوهرا في سفط فاسترضى المسلمين وبعث به إلى عمر فسأل الرسول عن أمور الناس حتى أخبره بالسهفط فغضب وأمر به فوجئ في عنقه وقال: أسرع قبل أن تفترق الناس ليقسمه سلمة فيه فباعه سلمة وقسمه في الناس وكان الفص يباع بخمسة دراهم وقيمته عشرون ألفا.

.مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله عنه.

كان للمغيرة بن شعبة مولى من نصارى العجم إسمه أبو لؤلؤة وكان يشدد عليه في الخراج فلقي يوما عمر في السوق فشكى إليه وقال: أعدني على المغيرة فإنه يثقل علي في الخراج درهمين في كل يوم قال: وما صناعتك؟ قال نجار حداد نقاش فقال: ليس ذلك بكثير على هذه الصنائع وقد بلغني أنك تقول أصنع رحى تطحن بالريح فاصنع لي رحى قال: أصنع لك رحى يتحدث الناس بها أهل المشرق والمغرب وانصرف فقال عمر: توعدني العلج فلما أصبح خرج عمر إلى الصلاة واستوت الصفوف ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر برأسين نصابه في وسطه فضرب عمر ست ضربات إحداها تحت سرته وقتل كليبا بن أبي البكير الليثي وسقط عمر فاستخلف عبد الرحمن بن عوف في الصلاة واحتمل إلى بيته ثم دعا عبد الرحمن وقال: أريد أن أعهد إليك قال: أتشير علي بها قال: لا.
قال: والله لا أفعل قال: فهبني صمتا حتى إلى النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ثم دعا عليا وعثمان والزبير وسعدا وعبد الرحمن معهم وقال انتظروا طلحة ثلاثا فإن جاء وإلا فاقضوا أمركم وناشد الله من يفضي إليه الأمر منهم أن يحمل أقاربه على رقاب الناس وأوصاهم بالأنصار الذين تبوؤا الدار والإيمان أن يحسن إلى محسنهم وبعفو عن مسيئهم وأوصى بالعرب فإنهم مادة الإسلام أن تؤخذ صدقاتهم في فقرائهم وأوصى بذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم ثم قال: اللهم قد بلغت لقد تركت الخليفة من بعدي على أنقى من الراحة ثم دعى أبا طلحة الأنصاري فقال: قم على باب هؤلاء ولا تدع أحدا يدخل إليهم حتى يقضوا أمرهم ثم قال: يا عبد الله بن عمر اخرج فانظر من قتلني؟ قال يا أمير المؤمنين: قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد لله سجدة واحدة ثم بعث إلى عائشة يستأذنها في دفنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فأذنت له ثم قال: يا عبد الله إن اختلف القوم فكن مع الأكثر فإن تساووا فكن مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ثم أذن للناس فدخل المهاجرون والأنصار فقال لهم: أهذا عن ملأ منكم؟ فقالوا: معاذ الله وجاء علي وابن عباس فقعدوا عنه رأسه وجاء الطبيب فسقاه نبيذا فخرج متغيرا ثم لبنا فخرج كذلك فقال له: اعهد قال: قد فعلت ولم يزل يذكر الله إلى أن توفي ليلة الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وصلى عليه صهيب وذلك لعشر سنين وستة أشهر من خلافته.
وجاء أبو طلحة الأنصاري ومعه المقداد بن الأسود وقد كان أمرهما عمر أن يجمعا هؤلاء الرهط الستة في مكان ويلزماهم أن يقدموا للناس من يختاروه منهم وإن اختلفوا كان الاتباع للأكثر وإن تساووا حكموا عبد الله بن عمر أو اتبعوا عبد الرحمن بن عوف ويؤجلوهم في ذلك ثلاثا يصلي فيهم بالناس صهيب ويحضر عبد الله بن عمر معهم مشيرا ليس له شي من الأمر وطلحة شريكهم أن قدم في الثلاث ليال.
فجمعهم أبو طلحة والمقداد في بيت المسور بن مخرمة وقيل في بيت عائشة وجاء عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة فجلسا بالباب فحصبهما سعد وأقامهما وقال: تريدان أن تقولا حضرنا وكنا في أهل الشورى ثم دار بينهما الكلام وتنافسوا في الأمر فقال: عبد الرحمن أيكم يخرج منها نفسه ويجتهد فيوليها أفضلكم وأنا أفعل ذلك؟ فرضي القوم وسكت علي فقال: ما تقول على شريطة أن تؤثر الحق ولا تتبع الهوى ولا تخص ذا رحم ولا تألوا الأمة نصحا وتعطينا العهد بذلك قال: وتعطوني أنتم مواثيقكم على أن تكونوا معي على من خالف وترضوا من اخترت وتواثقوا ثم قال لعلي: أنت أحق من حضر بقرابتك وسوابقك وحسن أثرك في الدين ولم تبعد في نفسك فمن ترى أحق فيه بعدك من هؤلاء؟ قال: عثمان وخلا بعثمان فقال له مثل ذلك. فقال علي: ودار عبد الرحمن لياليه كلها يلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يوافي المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس ويشيرهم إلى صبيحة الرابع فأتى منزل المسور بن مخرمة وخلا فيه بالزبير وسعد أن يتركا الأمر لعلي أو عثمان فاتفقا على علي ثم قال له سعد بايع لنفسك وأرحنا فقال: قد خلعت لهم نفسي على أن أختار ولو لم أفعل ما أريدها ثم استدعى عبد الرحمن عليا وعثمان فناجى كلا منهما إلى أن رضوا بل إلى أن صلوا الصبح ولا يعلم أحد ما قالوا ثم جمع المهاجرين وأهل السابقة من الأنصار وأمراء الأجناد حتى غص المسجد بهم فقال: أشيروا علي فأشار عمار بعلي ووافقه المقداد فقال ابن أبي سرح: إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان ووافقه عبد الله بن أبي ربيعة فتفاوضا وتشاتما ونادى سعد: يا عبد الرحمن افرغ قبل أن يفتتن الناس فقال: نظرت وشاورت فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلا ثم قال لعلي: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده قال: أرجوا أن أجتهد بل أن أفعل بمبلغ عملي وطاقتي وقال لعثمان مثل ذلك فقال: نعم فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان وقال: اللهم اشهد أني قد جعلت ما في عنقي من ذلك في عنق من ذلك في عنق عثمان فبايعه الناس ثم قدم طلحة في ذلك اليوم فأتى عثمان فقال له عثمان: أنت على الخيار في الأمر وإن أبيت رددتها فقال: أكل الناس بايعوك؟ قال: نعم قال: رضيت ولا أرغب عما أجمعوا عليه.
وكانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض ومر أبو لؤلؤة بالهرمزان وبيده الخنجر الذي طعن به عمر فتناوله من يده وأطال النظر فيه ثم رده إليه ومعهم جفينة نصراني من أهل الحيرة فلما طعن عمر من الغداة قال عبد الرحمن بن أبي بكر لعبيد الله بن عمر: أني رأيت هؤلاء الثلاثة يتناجون فلما رأوني افترقوا وسقط منهم هذا الخنجر فعدا عبيد الله عليهم فقتلهم ثلاثتهم وأمسكه سعد بن أبي وقاص وجاء به إلى عثمان بعد البيعة وهو في المسجد فأشار علي بقتله وقال عمرو بن العاص: لا يقتل عمر بالأمس ويقتل ابنه اليوم فجعلها عثمان دية واحتملها وقال أنا وليه ثم قام عثمان وصعد المنبر وبايعه الناس كافة وولى لوقته سعد بن أبي وقاص على الكوفة وعزل المغيرة وذلك بوصية عمر لأنه أوصى بتولية سعد وقال لم أعزله عن سوء ولا خيانة منه وقيل إنما ولاه وعزل المغيرة بعد سنة وأنه أقر لأول أمره عمال عمر كلهم.